Thursday, November 27, 2014

القواعد الفقهيّة وتطبيقاتها في المسائل الطبّية


القواعد الفقهيّة وتطبيقاتها في المسائل الطبّية (3-الخاتمة)
المبحث الرابع
في قاعدة المشقة تجلب التيسير
المطلب الأول: معنى القاعدة
        إن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف ومشقته في نفسه أو ماله، فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج.[34]
 المطلب الثاني: من أدلة القاعدة
1- الأدلة من القرآن كثيرة، منها: قوله تعالى: ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))[35]، و((وما جعل عليكم في الدين من حرج))[36]، و((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها))[37].
2-  ومن السنة قوله @: ))  بعثت بالحنيفية السمحة)).[38] 
3- الإجماع على عدم وقوع التكليف بالشاق من الأعمال.[39]

المطلب الثالث: القواعد المتفرعة تحتها وتطبيقاتها في مجال الطب
القاعدة الأولى : الضرورة تبيح المحظورات
     ومن الأمثلة المتفرعة عنها:
1- كشف الطبيب على العورة عند الضرورة جائز، مع أن الأصل في ذلك محرم.
2- شق بطن الحامل يجوز عند الضرورة وتعسر الولادة.
3- استعمال المخدر في العمليات جائز للضرورة.[40] 
القاعدة الثانية: الضرورة تقدر بقدرها
     ومن الأمثلة المتفرعة عنها:
1- شق بطن الحامل بالمقدار الكافي دون زيادة.
2- استعمال المخدر يكون بالحد الكافي ولا زيادة.
3- وكشف الطبيب على المرأة عند الضرورة إنما يكون للموضع المعالج فقط.
4- الجبيرة يجب عدم ستر العضو الصحيح إلا بقدر مالا بد منه.[41]
القاعدة الثالثة: إذا ضاق الأمر اتسع
     ومن الأمثلة المتفرعة عنها:
1-    يباح للمرض التيمم عند العجز عن التطهر بالماء.
2-    يباح للمريض الفطر في نهار رمضان إذا شق عليه الصوم.
3-    تصلي المستحاضة ودائم الحدث بعد الوضوئ ولو خرج منهما شيء بعده.
4-    يجوز للرجل لبس الحرير بسبب الحكة.
5-    يجوز للطبيب الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، إذا كان مشغولا بمتابعة مرضاه.[42]
القاعدة الرابعة: الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة
     ومن الأمثلة المتفرعة عنها:
1- جواز حلق المحرم لشعر رأسه عند حاجته لذلك بسبب المرض.
2- جواز العمليات الحاجية كإزالة التشوهات التي حصلت بسبب حريق أو حوادث سيارات ونحو ذلك، أو كإزالة أصبع زائدة، أو يد زائدة، أو سن زائد تضر بالفم.
3- يجوز النظر للعلاج عندما تدعو الحاجة إلى ذلك.[43]
القاعدة الخامسة: ما جاز لعذر بطل بزواله
1-    جواز لبس الحرير من أجل التداوي، إذا زال المرض عاد الحكم إلى الأصل وهو التحريم
2-    وجواز النظر لحاجة العلاج، إذا زال المرض حرم النظر.
القاعدة السادسة: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة
1-    يجب على الراعي أو الإمام على أصحاب الأمراض المعدية الذين يخشى على الناس منهم، وتجب طاعته في ذلك.
2-    يجوز للإمام تحديد أسعار المستشفيات الخاصة إذا كان هناك مغالاة فيها.
3-    يجب على الإمام منع الأدوية من الدخول إلى بلاده إذا رأى فيها ضررا على الناس.
4-    يحرم للطبيب تقرير أية عملية للمريض لا تظهر حاجته إليها.
5-    يجب على الطبيب أن يصرف للمريض أدوية ليس في حاجتها.
6-    يجب على الطبيب أن ينصح لمريضه ويبين له كل ما يتوقف عليه علاجه.[44]

المبحث الخامس
في قاعدة العادة المحكمة
المطلب الأول: معنى القاعدة
        العادة هي المرجع للفصل عند التنازع. وهذه القاعدة بمنزلة العرف في أصول الفقه.
المطلب الثاني: أدلة القاعدة
1- من الكتاب قوله تعالى : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين))[45].
2- ومن الأثر : (( ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن))[46].     
المطلب الثالث: القواعد المتفرعة عنها وتطبيقاتها في الطب:
       إن القواعد المتفرعة عن قاعدة العادة المحكمة كثيرة، أذكر بعضها الذي أجد فيه المسائل الطبية:
القاعدة الأولى: المعروف عرفا كالمشروط شرطا
معنى القاعدة: إن ما تعارف عليه الناس في معاملتهم –وإن لم يذكر صريحا- هو قائم مقام الشرط في الالتزام والتقييد.[47]
تطبيق القاعدة في المسائل الطبية:
1- إذا اختلف الطبيب والمريض في مقدار أجرة الكشف أو العملية ولا بينة رجع إلى ما تعارف عليه الأطباء في مثل هذه الحالة.
2- إذا تنازع الطبيب والمريض في دخول الأدوية أو الأدوات المستخدمة ضمن قيمة العلاج ولا بينة رجع إلى ما تعارف عليه الأطباء.
3- يلزم الطبيب عند حضور المريض إليه أن يجري له الفحوص المعتادة من دون تفريط في شيء منها كحرارة المريض، وضغط دمه، ونحو ذلك؛ لتعارف الأطباء على ذلك.[48]
القاعدة الثانية: العبرة للغالب الشائع والمطرد لا للنادر
شرح القاعدة : إن القاعدة تعتبر من شروط اعتبار العادة، وهي غلبتها وشيوعها واطرادها بين الناس في جميع معاملتهم ، أو في أغلبها، أما إن كانت غير ذلك، حيث كان العمل بها مماثلا لتركها، أو كان تركها أكثر، لم يلزم تحكيمها.[49]
فروع تطبيقية على القاعدة:
1- إذا زار المريض طبيبا خاصا وبعد الكشف عليه أجري له الطبيب بعض التحاليل ثم ادعى المريض بأن قيمة التحاليل تشملها أجرة الكشف، وأنكر الطبيب ذلك رجع إلى العادة الغالبة أو الشائعة المطردة في ذلك.
2- إذا كشف المريض عند طبيب استشاري ثم اختلفا في قيمة الكشف رجع إلى العادة المطردة أو الشائعة في ذلك. فإن لم يوجد في ذلك عادة مطرد ولا غالبة أخذ بقول المريض؛ لأنه غارم والأصل براءة ذمته من الزيادة.
3- يجوز للصيدلي صرف الأدوية التي جرت العادة الغالبة بلا وصفة طبية مسبقة.[50]
القاعدة الثالثة: الكتاب كالخطاب
معنى القاعدة: إن العبارات الكتابية كالمخاطبة الشفوية في الحكم.
شروط الكتابة المقبولة : (1) أن تكون مستبينة، أي بينة واضحة الخط، و(2) أن تكون معنونة، بأن كانت على الرسم المعتاد.
        ويستثنى في ذلك المعتاد في خط الصراف والأطباء والصيدليين الذين يكتبون ما عليهم في دفاترهم، فيعمل به وإن لم يكن معنونا. والحاصل : أن كل كتاب يحرر على الوجه المعتاد و المتعارف بين الناس يكون حجة على كاتبه كالنطق باللسان.[51]
فروع تطبيقية على القاعدة:
1-    إذا كتب الطبيب للمريض وصفة محددة لزم التقييد بها من قبل المريض والصيدلي.
2-    يجوز للطبيب أن يعتمد تقارير مسبقة في مواصلة علاج الحالة المعروضة عليه، ولا حاجة لإجراء الفحوص من جديد عند ثقته بذلك.[52]

الخاتمة وأهم نتائج البحث
        الحمد لله الذي أنعم علي بكتابة هذا البحث البسيط، وأسأل الله تعالى المزيد من وسعة فضله، أما بعد: فقد توصلت من خلال البحث إلى بعض النتائج، ومن أهمها:
1- إن القواعد الفقهية لها أهمية كبيرة وأثرها واضح في حفظ المسائل الفقهية واستبناطها.
2- إن الشريعة الإسلامية شاملة كاملة، فهي تشمل الأمور الدنيوية كما تشمل العبادة الأخراوية، ولا يجوز الفصل بينهما، والشريعة حاكمة فاصلة بين الناس.
3- إن الشريعة الإسلامية راعت المقاصد والعاداة، وحكمت بها مالم تعارض النصوص والمقاصد الشرعية.
4- إن الشريعة الإسلامية جاءت بكل ما يدفع الضرر والمشقة عن المكلف.
5- إن المسائل الطبية مما ينبغي لعلماء الشريعة الاهتمام بها، ولا سيما فيما يتعلق بالأحكام الفقهية.
6- إن تعليم القواعد الفقهية وتطبيقها في المجالات المتنوعة (كالطبية مثلا) من الأشياء التي ينبغي أن يهتم بها، وذلك لسهولته من جانب وأثره من جانب آخر.
        هذا والحمد لله على كل حال ظاهرا وباطنا، ونصلي وأسلم على المصطفى رسول الله وخير خلقه وعلى آله وصحبه، والله أعلم بالصواب.

فهرس المراجع
1-   الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ، دار الفكر، سوريَّة- دمشق
2-    المنهاج في علم القواعد الفقهية، رياض بن منصور الخليفي
3-    الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية، محمد صدقي أحمد البورنو، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، 1422ه/ 2002م
4-    دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، القاضي عبد رب النبي بن عبد رب الرسول الأحمد نكري، دار الكتب العلمية، بيروت - 1421 هـ - 2000 م، تحقيق : عرب عباراته الفارسية: حسن هاني فحص
5-    تطبيق القواعد الفقهية على المسائل الطبية، علي عبد العزيز بن إبراهيم المطرودي، بحث غير مطبوع، 1429ه




[1]  المفصل في أحكام الهجرة، علي بن نايف الشحود، 2007، ص 260
[2]  دستور العلماء، القاضي عبد رب النبي بن عبد رب الرسول الأحمد نكري، دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت - 1421 هـ، ج3، ص 39
[3] وهذا ما عرفه الشافعي رحمه الله، انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي، ج 1، ص 14
[4]  الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية، محمد البورنو، مؤسسة الرسالة، بيروت ، 1422هـ، ص 16، وانظر: المنهاج في علم القواعد الفقهية، ص1
[5]  الوجيز، ص 24.
[6]  المصدر السابق، ص 24-25
[7]  المصدر السابق، ص 38-43.
[8]  المنهاج في علم القواعد الفقهية، رياض الخليفي، ص 3، وانظر: الوجيز، ص 40
[9]  تطبيق القواعد الفقهية  على المسائل الطبية، ص 8
[10]  الوجيز، ص 124 بتصرف.
[11]  متفق عليه، وهو حديث مشهور على صحته، وأخرجه الستة.
[12]  تطبيق القواعد الفقهية، ص 12.
[13]  وهذا تعبير الشافعية، انظر: الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية، ص 159.
[14]  تطبيق القواعد الفقهية، ص 14.
[15]  الوجيز، ص 169.
[16]  الآية 36 من سورة يونس.
[17]  رواه مسلم في صحيحه (رقم 541).
[18]  الوجيز، ص 172.
[19]  تطبيق القواعد الفقهية على المسائل الطبية، ص 17.
[20]  الآية 29 من سورة البقرة.
[21]  تطبيق القواعد الفقهية على المسائل الطبية، ص 19.
[22]  المرجع السابق، ص 19.
[23]  الوجيز، ص 179.
[24]  رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن.
[25]  تطبيق القواعد الفقهية على المسائل الطبية، ص 20.
[26]  وهذه القاعدة حديث نبوي على رتبة الحسن أخرجه الإمام مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلا.
[27]  الوجيز، ص 252.
[28]  تطبيق القواعد الفقهية...، ص 26.
[29]  المرجع السابق، 27.
[30]  المرجع السابق، ص 28.
[31]  المرجع السابق، ص 30.
[32]  المرجع السابق، ص 32.
[33]  الوجيز، ص 265.
[34]  الوجيز، ص 218.
[35]  الآية 185 من سورة البقرة.
[36]  الآية 78 من سورة الحج.
[37]  الآية 286 من سورة البقرة.
[38]  رواه أحمد من حديث جابر، والديلمي من حديث عائشة<
[39]  الوجيز، ص 221.
[40]  تطبيق...، ص 34.
[41]  المرجع السابق، ص 36.
[42]  المرجع السابق، ص 43.
[43]  المرجع السابق، ص 49.
[44]  المرجع السابق، ص 52.
[45]  الآية 199 من سورة الأعراف
[46]  وهو حديث موقوف حسن على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أخرجه أحمد المسند (الوجيز، ص 270-271).
[47]  الوجيز...، ص 306.
[48]  تطبيق القواعد...، ص 56.
[49]  انظر: الوجيز، ص 295.
[50]  تطبيق القواعد...، ص 57.
[51]  الوجيز، ص 301-302.

[52]  تطبيق القواعد...، ص 59.

No comments:

Post a Comment

Jangan lupa komentar

Ulasan Hasil Tantangan Menulis Bareng SLI di Hari Guru Nasional

Hasil Tantangan #NulisBarengSLI #HariGuruNasional2020 #SahabatLiterasiIAICirebon Beberapa hari yang lalu (23/11/2020) aku atas nama pribad...