الاختلاف من لوازم الحياة

إنّه لا شك في أنّ الاختلاف من سنة الحياة البشرية، ومن ذلك الاختلاف اختلاف الليل والنهار، واختلاف الألسنة والألوان، واختلاف الأجناس والقبائل، واختلاف الآراء والأفكار. ولاختلاف ذلك كله فوائد عديدة، منها ابتلاء وامتحان من الله تعالى لمعرفة أي الناس أحسنهم عملا، ومنها آيات لجلالة قدرة الله وعظمته، ومنها التعارف بين البشر فيبعث روح المحبة والأخوة بينهم، وغيرها من الفوائد. وإن الناس إذا فكروا عرفوها جيدا أن كون الاختلاف دافعا لهم للاستباق في الخيرات ومجالا للتعارف والتفاهم بينهم فيقوّي ذلك رباط الأخوة الإسلامية والبشرية.

        إنّ الاختلاف ليس الفرقة، فالاختلاف نعمة والفرقة والافتراق نقمة، وكما قد بين الله تعالى لنا في قوله: ((وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ))[1]، وقوله تعالى : ((إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار... لآيات لقوم يعقلون)) [2]، وقوله تعالى : ((إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ))[3]، وقوله تعالى : ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ))[4]، والآيات الأخرى مما يدلنا على أنّ الاختلاف آية من آيات الله الباهرة. واستفادة من هذا الاختلاف يكون لنا كطلاب العلوم الشرعية في قسم الدراسة العليا درس في فقه المقارن، وهو عبارة عن مقارنة المذاهب الفقهية الإسلامية.

إن مقارنة المذاهب هي السعي في معرفة آراء أئمة مذهب من المذاهب في المسائل المختلف فيها مع ذكر أدلة كل منهم وتعليلاتهم وطرقهم في استنباط الأحكام. والهدف من هذه الدراسة لتعرف المذاهب الفقهية والآراء المختلفة وأدلتهم والأسباب التي تجعلهم مختلفين في ذلك، وليس الهدف من الدراسة هو استهانة وتتبع ضعف قول أحد الأئمة، وإنما الهدف هو البحث عن أرجح الأقوال الصائبة، لأن كل مجتهد مصيب، وإن كان الاجتهاد خطأ فله أجر واحد. وهذه المقارنة أيضا تهدف لابتعاد الأمة عن العصبية في المذهب أو القول أو أي عالم، والعصبية في الغالب تكون بسبب الجهالة وعدم معرفة المعلومات الصحيحة عن المذاهب الفقهية الموجودة وأدلتهم. وقال الإمام الشافعي : ((إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل صواب))، فالمقارنة يبعث روح التسامح والأخوة الإسلامية.

---

[1]  الآية 10 من سورة الروم

[2]  الآية 164 من سورة البقرة

[3]  الآية 6 من سورة يونس 

[4]  الآية 160 من سورة آل عمران